الأحد، 24 أبريل 2011

كتاب " الشامل في الصناعة الطبية"

لا يعرف مؤرخو الطب على وجه التحقيق تاريخ مولد علاء الدين أبي الحسن علي بن أبى الحزم القرشى المعروف بابن النفيس . ونسبته القرشى إلى مسقط رأسه- القرشية- من القرى المجاورة لدمشق. ويظهر اسمه، ابن أبي الحزم، في مصادر عديدة. إلا أن البعض يدعي قراءته (ابن أبى الحرم) وقد نعذرهم في ذلك بعض العذر لأن ابن النفيس كالكثير من المؤلفين، لم يكن حريصاً على وضع النقط على الحروف، كما جاء بخط المؤلف نفسه فى كتابه " الشامل في الصناعة الطبية ".
"... المجلد الثالث والثلاثون من كتاب الشامل فى الصناعة الطبية للفقير إلى الله تعالى علي بن أبى الحزم (كذا) القرشى، عفا الله عنه... "
"... مقالة في النبات: المجلد الثاني والأربعون من كتاب الشامل في الصناعة الطبية للفقير إلى الله تعالى علي بن أبى الحزم (كذا) القرشى عفا الله عنه

وقد أهمل ابن النفيس التنقيط في هاتين العبارتين في كل الكلمات الآتية
كتاب الصناعة الطبية، الحزم، مقالة، النبات، كتاب، الطبية، تعالى ، ابن أبي الحزم
ومما يثبت بصفة قاطعة أن اسمه ابن أبي الحزم، بفتح الحاء وسكون الزاي، أنه كتب اسمه منقوطاً مشكولاً في إجازة وقعها بقلمه في خاتمة كتابه المعروف " شرح طبيعة الإنسان لأبو قراط " وهذا نصها
"... بحث معي الشيخ الحكيم العالم الفاضل شمس الدولة أبو الفضل ابن الشيخ أبى الحسن المسيحى، أدام الله سعادته، جميع كتابي هذا وهو شرح كتاب الإمام أبو قراط وهو كتابه المعروف بطبيعة الإنسان. كما دل على صفاء من ذهنه واستقامة من خاطره. والله تعالى ينفعه وينفع به
كتبه الفقير إلى الله تعالى علي بن أبي الحزم القرشى المتطبب، حامداً الله على نعمه ومصلياً على خيرأنبيائه محمد وآله تسليماً. وذلك في التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة... "
ويتضح من كلمة الناسخ في خاتمة كتاب " شرح طبيعية الإنسان لأبو قراط " في هذا المخطوط أن النص منقول عن نسخة ابن النفيس نفسه
"... كمل هذا الكتاب من نسخة بخط المصنف، أطال الله بقاءه على منزلة اللبونة، بتاريخ رابع شهر ربيع الأول سنة ثمان وستين وستمائة
مما كتبه عظمة لنفسه أبوالفضل بن أبي الحسن الكاتب المتطبب... "
كان ابن النفيس طبيباً عظيماً ومؤلفاً غزير الإنتاج، كما كان فقيهاً مشهوراً. وسوف أقصر بحثي هذاعلى عرض مادة من كتابه " الشامل في الصناعة الطبية ". تعلم ابن النفيس الطب في دمشق، في البيمارستان النوري الكبير الذي أنشأه الأمير نور الدين محمود بن زنكي في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي . وكان مهذب الدين عبد الرحيم بن علي الدخوار (توفي 628 هـ/ 1230م) أحد معلمي ابن النفيس في دمشق . كما كان من تلاميذ الدخوار في دمشق أيضاً موفق الدين أبو العباس أحمد بن قاسم بن خليفة الخزرجي ،وشهرته ابن أبي أصيبعة (توفي 668 هـ/ 0 27 1 م) . ومن المعروف أن أبا الفرج بن يعقوب بن إسحاق بن القف أمين الدولة الكركي (توفي 685 هـ/ 1286 م) قرأ الطب على كل من ابن النفيس وابن أبي أصيبعة . وعلى ذلك، فمما يدعو إلى التساؤل والدهشة ألا يؤرخ ابن أبي أصيبعة لابن النفيس في مؤلفه المشهور " عيون الأنباء في طبقات الأطباء ". ويبدو أن النبذة القصيرة التي تظهر في ذيل مخطوط واحد لهذا الكتاب، في المكتبة الظاهرية بدمشق مدونة بخط متأخر عن خط المخطوط نفسه وبلغة الفعل الماضي. ويستدل من ذلك على أن كاتبها لم يكن معاصراً لابن النفيس. ومن المرجح أن مالك هذا المخطوط كان قد أضاف هذه النبذة إتماماً للفائدة. ولعله أخطأ في ذكر نسبة ابن النفيس " القرشى بفتحتين، قرية من قرى الشام "
كان ابن النفيس طبيباً خاصاً لحاكم مصر الظاهر بيبرس البنداقي ( تولى الحكم : 658 ــ 676 هـــ 1277 م ) وهو الذي عينه " رئيسا للأطباء " فأصبح شيخ الطب الديارالمصرية ولم يكن هذا المنصب فخرياً ، بل كانت له السلطة لمحاسبة الأطباء ومراجعتهم في هفواتهم ولم يعثر الباحثون حتى الآن في المخطوطات العربية على ما يقرن اسم ابن النفيس بالبيمارستان الناصري في مصر، أي البيمارستان العتيق، الذي أنشأه في سنة 577 هـ/ 1181 م. الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي (تولى الحكم: 564- 589 هـ/1169 ــ 1193 م) .
ومما يستحق الذكرأن ابن أبي أصبيعة كان كحالاً فى هذا البيمارستان أثناء مقامه القصير في مصر خلال سنة 634 هـ / 1236 ــ 1237 م . وقبيل اعتزال ابن النفيس العمل ، لتقدمه في السن ، أوقف منزلة ومكتبته الخاصة الزاخرة بمؤلفاته على دار الشفاء أيبيمارسات قلاوون المعروف أيضاً باسم البيمارستان المنصوري نسبة إلى مؤسسه فيم) . وقد نشرت قائمة مؤلفات ابن النفيس الطبية، أشرت فيها إلى أرقامهـ 1284 م المنصور سيف الدين قلاوون الألفي ( تولى الحكم: 678-689 هـ/ 1279
وبالإضافة إلى عمله كطبيب، كان ابن النفيس يحاضر في الفقه في المدرسة المسرورية التي أنشأها مسرور شمس الخواصي، أحد خواصي صلاح الدين الأيوبي. كما ألف كتاباً في الفقه،سماه " شرح التنبيه " وهو شرح كتاب" التنمية فى الفقه "للفيروزأبادي الشيرازي توفي 476 هـ/ 083 1 م) . ومما يدل على علو شأن ابن النفيس أن يذكره السبكي توفي ا 77 هـ : 1370 م ) في موسوعته "طبقات الشافعيين الكبرى"
كما ألف ابن النفيس الرسالة الكاملية في السيرة النبوية. المعروفة بكتاب " فاضل بن ناطق " ، على نمط كتاب " حي بن يقظان " لابن طفيل الأندلسي (توفي 581 هـ/ 1185 م) . ويفترض ابن النفيس في كتابه هذا تخلق إنسان في مغارة بجزيرة نائية، بطريقة تشبه تكون الفرخ من البيضة، من العناصر الأربعة (الماء والهواء والأرض والنار)، بفعل الصفات الأربعة الحار والبارد واليابس والرطب). ثم يرشد إلى كيفية توصل هذا الإنسان الوحيد إلى اكتشاف العلوم والحكمة، ثم إلى العلم بأمر النبوات والسيرة النبوية الشريفة والسنن الشرعية
وأشير في هذا البحث إشارة عابرة إلى اكتشافه الكبير للدورة الدموية الرئوية . ولا يهمنا إطلاقاً سواء أكان هذا الاكتشاف الخطير نتيجة لممارسته التشريح أو لاستخدامه طريقة التأمل والتفكير العلمي النظري الصحيح. والذي يعنينا نحن مؤرخي الطب العربي الإسلامي- أن ابن النفيس اكتشف هذه الدورة، متحدياً آراء جالينوس نفسه. وكان اكتشاف ابن النفيس لها قبل وفاته بسبع وأربعين سنة هجرية (ست وأربعين سنة ميلادية) على الأقل. فقد وجدت هذه الدورة في كتابه " شرح تشريح القانون لابن سينا "، في مخطوط رقم،نسخ في 25 جمادى الأولى سنة 640 20 نوفمبر سنة 1242. وهذا المخطوط الآن في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس كما أثبت أن بعض الأطباء العرب قبلوا هذه الدورة فوجدتها مذكورة في كتاب " شرح القانون " لسديد الدين محمد بن مسعود الكازرونى الذي أتمه مؤلفه في سنة 745 هـ/ 1344 م ثم بعد ذلك بسنوات قليلة في كتاب " شرحا لقانون " لعلي بن عبد الله زين العرب المصري (أتم كتابه في سنة751 هـ : 1350 موأما آراء كل من توفي 53 5 1 م) وتوفي 1559 م، فقد جاءت متأخرة عن اكتشاف ابن النفيس بأكثر من ثلاثة قرون من الزمان. ويجدر بمؤرخي الطب أن يبحثوا عن إجابة شافية للسؤال الآتي
هل نقلت أوروبا اللاتينية الدورة الدموية الرئوية عن ابن النفيس؟. ومن المعروف أنتوفىا 1520 م) أقام في سورية زهاء ثلاثين عاماً، كان يجمع ويترجم خلالها التراث الطبي العربي بنشاط. وله ترجمة لاتينية (طبعت بمدينة البندقية في سنة 1547 النفيس. وفي صفحات 24 ظهر إلى 30 وجه من كتابه هذا
يذكرمعلومات طريفة عن آراء جالينوس في القلب والأوعية الدموية، ثم يضيف إلى ذلك نقد ابن النفيس لها " الشامل في
الصناعة الطبية كتاب
يقول خليل بن إيبك الصفدي ، في كتابه " الوافي بالوفيات: أن ابن النفيس " صنف كتاب " الشامل في الطب يدل فهرسته على أنه يكون في ثلاثمائة سفر... وبيض منها ثمانين سفراً، وهى الآن وقف بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة " . ويؤيد السبكي رأي الصفدي، فيذكر في كتابه " طبقات الشافعية الكبرى ": وصنف في الطب غير ما ذكرنا كتاباً سماه " الشامل، قيل لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة. تم منه ثمانون مجلدة ".
وقد قام الدكتورنقولا هير بدراسة شيقة في هذا الكتاب، فنشر مقالاً للتعريف بمحتوياته والإرشاد إلى بعض مخطوطاته في دور الكتب . ويذكر في مقاله المخطوط رقم في مكتبة وتحتوي مادة هذا الكتاب- وكلها بخط ابن النفيس- على المجلد الثالث والثلاثين، والمجلدين الثاني والأربعين من كتابا الشامل في الصناعة الطبية ". ومن المرجح أن بعض أوراق هذا المخطوط في غير مكانها، ويبدو أن في النص بعض خروم. وقد نسخت بخط يدي جزءاً كبيراًمن هذا المخطوط
كان ابن النفيس يؤثرطريقة أبو قراط على غيره من الأطباء في ممارسة الطب. وله شروح قيمة على بعض كتب أبقراط. ولم نجد له أي شروح على كتب جالينوس. بل كان اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الرئوية نقداً في آراء جالينوس. وفي الجزء الخاص بعمل اليد، في كتاب الشامل في المصاعة الطبية "، يقتبس ابن النفيس بعض المادة من كتاب أبقراط المعروف باسم " في حانوت الطبيب ". ثم يوضحها بالشرح الوافي. ويعزو ابن النفيس نجاح العمليات الجراحية إلى العناية التامة بثلاث مراحل: المرحلة الأولى ويسميها " وقت الإعطاء " وفيها يتعرف الجراح موضع العلة. وتسمى بهذا الاسم لأن المريض يعطي الجراح، أي يسلمه بدنه، للتصرف فيه كيف يشاء. وأما المرحلة الثانية فيسميها "وقت العمل)، وفيها يقوم الجراح بإصلاح ما فسد من أعضاء البدن. والمرحلة الثالثة، " وقت الحفظ ". تشير إلى الوقت الذي يعقب الجراحة، ويجب أن يحافظ المريض في هذا الوقت على نفسه، كما يجب أن يحافظ من حوله من الممرضين والخدم على حالته الصحية التي تركهاعليه الجراح، فيتم له الشفاء، إن شاء الله تعالى. يسجل ابن النفيس في كل من هذه المراحل الثلاث وصفاً دقيقاً لكل من واجبات الجراح والمريض والممرضين له. كما يسجل طرق استخدام وحفظ الآلات الجراحية وغيرها مما تستلزمه الجراحة والعلاج
كان لابن سينا بعض الأثر في طريقة ابن النفيس في عرض مادة كتاب " الشامل في الصناعة الطبية " بطريقة منطقية وإليكم الفصول الخمسة الأولى من التعليم الثالث من الكتاب الثالث من النمط الأولى من الجزء الثاني من الفن الثاني من كتاب " الشامل في الصناعة الطبية ننشرها هنا لأول مرة من المخطوط الذي دونه ابن النفيس بقلمه
:ورق ا ظهر، س 1 ورقوجه، س ا (انظر اللوحة المصورة رقم 3) " بسم الله الرحمن الرحيم. وما توفيقي إلابالله عليه توكلت
الكتاب الثالث من النمط الأول من الجزء الثاني من الفن الثاني من كتاب الشامل
وقصدنا فيه أن نتكلم في النوع من العلاج الذي يسمى العمل باليد. وكلامنا فيه يشتمل على ثلاثة تعاليم
التعليم الأول: في أصول كلية في العمل باليد مطلقاً تستعمل في العمل باليد.
والتعليم الأول وهوفي أصول كلية في العمل باليد يشتمل الكلام فيه على عشرين فصلاً
الفصل الأول
في الأوقات المعتبرة في العمل باليد ووظيفة المريض في كل واحد منها
الأوقات المعتبرة في العمل باليد ثلاثة: وقت الإعطاء، ووقت العمل، ووقت الحفظ- وذلك لأن المريض إذا اجتمع مع الطبيب وسلم إليه بدنه ليعمل فيه. فما دام الطبيب ينظر ويفكر في تعرف المرض في أحواله ويتروى في تدبيره، فذلك هو وقت الإعطاء. ويسمى بذلك لأن المريض في هذا الوقت كأنه يعطي الطبيب بدنه ليتصرف فيه كيف شاء
فإذا أخذ الطبيب في العمل، فما دام يعمل يسمى ذلك الوقت وقت العمل، وذلك ظاهر
وإذا فرغ من العمل وفارق وبقي المريض بالحال التي أحدثها فيه الطبيب، سمي ذلك الوقت بوقت الحفظ، لأن هذا الوقت يجب فيه حفظ ما أحدثه الطبيب حتى لا يتغير عن الحال التي فعلها. ولكل واحد من المريض والطبيب في كل واحد من هذه الأوقات الثلاثة وظيفة. ونحن ها هنا نتكلم في وظيفة المريض في هذه الأوقات. وأما وظيفة الطبيب فيها. فنؤخر الكلام فيهاإ لى الفصل الذي بعد هذا
فنقول: أما وظيفة المريض في وقت الإعطاء فأمران، أحدهما أن يسلم إلى الطبيب جميع الأجزاء التي نالها الضرر من بدنه ولا يبقى منها شىء يخفى عن الطبيب، وثانيهما أن يخبر الطبيب بجميع ماجرى له مما له تعلق بذلك المرض، ولو بوجه بعيد جداً. فإن اطلاع الطبيب حينئذ على أحوال ذلك المرض يكون لا محالة أكبر وأتم
وأما وظيفة المريض في وقت العمل فأمران أيضاً، أحدهما أن ينقاد بجميع الأشياء التي يعملها الطبيب ولا يمتنع عن شىء منها. وثانيهما فأن يثبت على الوضع الذي كان البدن عليه عند شروع الطبيب في العمل ولا يغير البتة شيئاً من أجزائه عن ذلك الوضع لقوة الوجع أو لأن المريض طفل أو صبي ونحو ذلك، أمسكه غيره على ذلك الوضع. فإن لم يثبت بذلك وخيف من اضطرابه فساد العمل أو تضرره بوجه آخر، كما يخاف عن القدح نفوذ طرف المقدحة إلى رطوبات العين وإفسادها لها ونحو ذلك، فلا بد حينئذ من ربط المريض على الوضع الذي ينبغي
أما وظيفة المريض في وقت الحفظ، فهو التحرز من تغيير شىء ما مما أحدثه الطبيب، ولو كان يسيراً جداً فقد يكون في التغيير اليسير فساد عظيم
الفصل الثاني
في وظيفة الطبيب في وقت الإعطاء ووقت العمل ووقت الحفظ. قد بينا وظائف المريض في هذه الأوقات الثلاثة
وأما وظائف الطبيب فيها فنقول: أما وظيفة الطبيب في وقت الإعطاء- فأمران: أحدهما بذل الجهد في تعرف حال المرض وذلك بقدر طاقته، مع بذل جهده لا تعلم هذه الصناعة فإن لم يكن في ذلك كأبوقراط واستقلابيوس، كما قال الإمام أبوقراط: " الأشياء التي بها يعرف ما لجميع الناس أن يعرفوه " أي ما يمكن جميع الناس أن يعرفوه والمراد بذلك جميع الناس الذين يشتغلون بهذه الصناعة. وثانيهما بذل الجهد في التروي في تدبير المرض وفي إتقان ذلك التدبير حتى يكون تدبيره له على أفضل الوجوه التي يمكن تعرفها
وأما وظيفة الطبيب في وقت العمل، فعليه أن لا يفعل شيئاً يصح أن يقال، لو كان تركه لكان العلاج أفضل،وأن لا يترك شيئاً يصح أن يقال، لو كان فعله لكان العلاج أكمل. وأن يكون جميع ما يفعله ليس من البطيء ما يلزمه زيادة الوجع، مع أن كان أن يكون أقل، ولا من السرعة ما يفوت معه شيء من المصلح في العمل. والذي يلزم، أن يكون هذه الأشياء كما قلنا بحسب قوة المشتغلين بهذه الصناعة بعد بذل الجهد
وأما وظيفة الطبيب في وقت الحفظ، فإنما يكون ذلك في أول هذا الوقت لأن الطبيب بعد ذلك يكون غائباً ولا نظر له في شيء من أحوال المريض وأما في أول هذا الوقت فعليه ان يوصي المريض أهله بما من شأنه أن يفعل أو يترك، والحمية واجتناب المضرات في ذلك العمل، وأن يحفظ ما أحدثه الطبيب على حاله. وأن يباشروا ما يسهل مباشرتهم له، كغسل الأطراف وتشميم الأراييح المقوية، ونحو ذلك . وكذلك استعمال الأدوية التي يسهل عليهم استعمالها،كتقطير دهن الورد ومح البيض في العين بعد لقط السبل، ونحو ذلك، وذلك بعد تعليم الطبيب لهم كيفية ذلك ووقته، ونحو ذلك
الفصل الثالث في تفاصيل الكلام في وظيفة الطبيب نب وقت الإعطاء
قد ذكرنا أن وظيفة الطبيب في وقت الإعطاء بذل الجهد في تعرف أحوال المرض والتروي في صواب تدبير هو تعرف أحوال المرض، إنما يكون بالعلامات الدالة على ذلك. وهذه العلامات منها ما هي مسموعة، كالاستدلال بالسعال وبحة الصوت وخشونته ونحو ذلك. ومنها ما هي مشمومة،كالاستدلال بروائح الفم وروائح العرق، ونحو ذلك. ومنها ما هي مبصرة، وهي كالتي يتعرف الطبيب منها إذا نظر إلى المريض
والمرض إما أن يكون في عضو ظاهر حتى يكون محسوساً في ذلك العضو، أو لا يكون كذلك. وذلك كما إذا كان المرض لاي عضو باطن كالكبد أو الطحال، ونحوها. وكذلك إذا كان المرض عاماً في البدن كله، كما في الحميات
أما إذا كان المرض خاصاً بعضو ظاهر، فعلى الطبيب أولاً أن ينظر في ذلك العضو ويتأمل حاله. وأما إذا لم يكن كذلك، فعلى الطبيب أن ينظر أولاً في وجه المريض: فإن الوجه أدل الأعضاء على أحوال البدن، وأحوال أعضائه الباطنة. وكيف كان، فينبغي أن يكون نظره أولا- سواءً أكان في الوجه أو في عضو آخر- أنه: هل هو شبيه بما كان عليه يكون كذلك. فإنه إن كان شبيهاً بما كان عليه في الصحة، لم يكن تغير عن الحالة الصحية تغيراً كثيراً. فلذلك يكون ذلك المرض حينئذ سهلاً سليماً. وأما إن كان قد تغير عن الصحة تغيراً عظيماً ، فإن ذلك إنما يكون بحدوث أمر مغير له تغييراًعظيماً عن الحالة الصحية. وذلك يلزم أن يكون المرض أقوى وأشد. قال الإمام أبقراط انظر أولاً إلى وجه المريض. هل يشبه وجوه الأصحاء خاصة؟ هل يشبه ما كان عليه؟فإنه إذا كان كذلك فهو على أفضل حالاته. وأما الوجه الذي هو من المضادة لذلك الوجه الشبيه في الغاية بما كان عليه، فهو أورد الوجوه ". ومراده بذلك، إذا كان المرض ليس في عضو ظاهر. وقال أيضاً: بماذا لا يشبه منذ أول الأمر، من أعظم الأشياء ومن أسهل الأشياء. ومن الأشياء التي تعرف لا محالة بكل ضرب الأشياء التي يمكن أن تحس بالبصر وباللمس وبالسمع وبالأنف وباللسان وبالعقل ". معناه أنه ينبغي أن ننظر في العضوالمريض/ بماذا يشبه ما كان عليه في الصحة، وبماذا لا يشبه. وتفعل: لك من أول الأمر كأن هذا الاستدلال من أعظم الأشياء دلالة ومن أسهل الأشياء. وينبغي أن نستدل أيضاً من جميع الأشياء التي تعرفا بفصل ضرب لا محالة. وهذه هي الأشياء التى تحس: بالبصر وباللمس وبالسمع وبالأنف وباللسان وبالعقل. ومثال ذلك عرض لإنسان ما من شأنه أن يحدث انخلاع بعض أصابعه. فينبغي حينئذ للطبيب أن ينظر في أصابعه، فأيها وجده عند باطن الكف ناتئاً وعند ظهر الكف غائراً ، يعلم أن تلك الإصبع قد عرض لها خلع، لأن هذه الإصبع تكون قد خالفت حالها في الصحة بذلك. وإنما يكون ذلك إذا كان أصلها قد زال عن موضعه إلى باطن الكف فنتأ ذلك الموضع وغار مقابله، وذلك هو الخلع. وأما غيرتلك الإصبع، فيعرف أنه لم ينخلع بأنه على الحالة التي يكون عليها في الصحة. ومن الأشياء التي تحقق ذلك أن ينظر في كل إصبع- هل يشبه في حالها حال نظيرتها من اليد الأخرى الصحيحة- فيعلم أنها صحيحة أو لا تشبهها بل تكون محالفة لها في وضعها، فيعلم أنها هي المؤوفة

الفصل الرابع
في تعديد الأشياء التي يحتاج الطبيب إلى الاعتناء بها في وقت العمل لعمل ما ينبغي أن يعمل في العضو العليل، وذلك لا محالة إنما يمكن إذا كان الطبيب والمريض وغيرهما من الأشياء التي يحتاج إليهما في العمل كل واحد منها على ما ينبغي وقد جعل الإمام أبو قراط الأشياء التي ينبغي أن تراعى عند العمل سبعة عشر شيئاً. وهي هذه الأشياء التي نعددها. قال: " وأما الأشياء التي عندما يعمل باليد في حانوت الطبيب، فالمريض والمعالج وخدمه والآلة وأدواته والضوء وأين وكيف وكم وفي أي الأشياء وبأي حال ومتى والجسم والآنية والوقت والجهة والموضع
وبقوله " وخدمة تحتمل خدم المريض وخدم المعالج وكلاهما ينبغي أن يراعى خبير العمل باليد
وقوله " وأدواته يريد بهذه الأدوات التي يستعملها في العمل باليد كالمراهم والأكحال والذرورات ،ونحو ذلك أين ينبغي أن يكون العمل في العضو العليل يكون " يريد أن العمل كم ينبغي أن يكون مقداره أو عدده، ونحو ذلك على ما نبينه بعد أي الأشياء " معناه وفي أن الأعضاء يكون العضو الذي يعمل فيه أو الآلة التي يستعملها، ونحو ذلك ينبغي أن يكون العمل فيه وقوله " والجسم، يريد به بدن الإنسان. ومعنى ذلك أنه ينبغي أن يكون في مزاجه وغير ذلك0 على ما هو الأوفق في العمل فيها آلات العمل، مثل خية المباضع ونحوه وهو الزمان الذي هو أحد الأزمان الأربعة التي تكان للأمراض الجهة التي يكون فيها العمل، مثل الجهة التي يوضع فيها المحاجم ويجذب، ونحو ذلك " والموضع " يريد الموقع الذي يعمل فيه. ونحن عند كلامنا في كل واحدة من هذه نبين وجه الحاجة إلى وجوب اعتباره في العمل باليد
الفصل الخامس
في هيئة المريض عند العمل باليد. إن هيئة المريض عند العمل باليد تختلف باختلاف ذلك. فبعض الأعمال ينبغي فيها أن يكون العليل قائما"، كما في رد القدم المخلوع. وكذلك كان جماعة من الناس يختارون أن يكون المحتجم في الساقين عند الحاجة قائما. يريدون بذلك زيادة تحرك المواد إلى الساقين، لتخرج حينئذ بالحجامة. وهذا وإن كان كذلك، لكن هذا الفعل مما يحدث ضعفاً شديداً. وإنما ينبغي أن يفعل إذا كانت قوة المريض قوية جداً
وبعض الأعمال ينبغي أن يكون المريض فيها جالساً، إما على الأرض كما عند القدح والكحال وحجامة النقرة،ونحو ذلك، وإما على كرسي كما عند إخراج الحصى وإخراج الجنين الميت، ونحو ذلك
وبعض الأعمال ينبغي أن يكون المريض فيها مستلقياً كما عند لقط السبل وقطع الظفرة وتقطير القطورات في العين ونحو ذلك- وقد استحبوا للمفصود أن يكون مستلقياً لأن ذلك أحفظ لقوته أن يكون مضطجعاً على هيئة أخرى. كما أن بعض الناس ينبغي أن يكون عند الاحتقان على جنب، وبعضهم ينبغي أن يكون حينئذ باركا على فخذيه وبطنه
وينبغي أن يكون المريض عند العمل على الهيئة التي إذا بقي عليها، أو غير إلى الهيئة التي يبقى عليها، لم يلزم
ذلك تغيير شىء مما أحدثه فيه الطبيب. وأيضاً ينبغي أن تكون هيئته هيئة يسهل معها العمل على الطبيب وعلى المريض. وينبغي أن تكون مع ذلك بحيث لا يتعسر معها بعد ذلك فعل الأشياء الضرورية كالأكل، والتبرز، ونحو ذلك. وينبغي أيضاً أن يكون على هيئة لا يستتر فيها شىء من العضو الذي يحتاج الطبيب إلى العمل فيه، وإلا كان ذلك عاتقا له عن جودةعمله. قال الإمام أبوقراط: " وأما المتعالج، فليقدم المعالج له بالجزء الأخير من سائر بدنه إما وهو قائم وإما وهو جالس وإما وهو ملقى بحسب الشكل الذي إذا كان عليه هكذا بقي كما هو بأسهل ما يكون بعد أن يتحفظ. ويجدر عند رسوب ما يجري وعند قرار ما يقر وعند اندفاع ما يندفع إلى جانب وعند تسفل ما يستفل ويبقى كبقاء الذي ينبغي شكل المعالج ونوعه في الإعطاء وفي العمل وفي الحال الباقية فيما بعدهذا كلامه
ونقول إن قوله فليقدم المعالج له بالجزء من سائر بدنه " يريد أنه ينبغي أن لا يترك شيئاً من أجزاء بدنه مما فيه المرض خارجاً عن مشاهدة المعالج له. وذلك بأن أظهر الجزء الأخير من بدنه إلى بين يدي المعالج. وأعني بذلك الجزء الأخير من الموضع الذي فيه المرض
وقوله " لحسب الشكل الذي إذا كان عليه هذا بقي كما هو " يريد أنه ينبغي أن يكون ما قلناه بحسب الشكل الذي إذا بقي عليه هذا المتعالج بقي كما هو في الأوقات كلها
قوله " ويحدر عند رسوب ما يجري " يريد ما يجري إلى العضو ويبقى في موضع المرض
وقوله " وقرار مايقر " يريد ما ينبغي أن يقر من الأعضاء ومن الجبائر، ونحو ذلك
وقوله " وعند اندفاع ما يندفع إلى جانب وعند تسفل ما يستفل " معناه ويجوز عند هذه الأشياء كلها تغير شىءمن الموضع الذي ينبغي والذي يندفع إلى جانب، مثل الجبائر والرفائد. والذي يستفل هو مثل لفات العصابة فإنها في أعثر تسفل، ويرتخي الربط. وهذا لأن أسافل الأعضاء في أكثر الأمر أدق من أعاليها، فلذلك يكون انزلاق اللفات في الأكثر إلى أسفل. ويلزم ذلك ارتخاء الشد. إذ يستحيل أن تتحرك اللفات إلى ما هو أغلظ شكل المعالج ونوعها معناه وينبغي أن يبقى في الأوقات الثلاثة شكل المعالج ونوعه الذي ينبغي أن يبقى أي أن الشكل الذي يفعله المعالج ينبغي أن يبقى في الأوقات لاالثلاثة
وكانت وفاة ابن النفيس في سحر يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة بالقاهرة (السابع عشر من شهر ديسمبر سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين)، ورثاه صديقه ابن يوحنا بن صليب النصراني، من أقباط مصر، قائلاً
ومسائل:هــــل عالم أو فاضـل أو ذو محل في العل ابعد (العلا)؟ فأجبت- والنيران تضرم في الحشـا: أقصر فمذ مات (العلا) مات العلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق